إن الاعتقاد الجامد على المألوف من دون بحث وتقص عن الحقيقة
يوجب وجود العصبية والتعصب عند العامة عموما مما يضع المسلم في دائرة مغلقة يقوقع نفسه في داخلها ولا يوجد عنده الاستعداد لتجاوز خطوطها وحدودها فليس لديه الاستعداد النفسي ولا الاستعداد العقلي
لذلك بل إن الفكر الجامد الجاف الذي يعتقد
به هو عامل أساسي في تركيبة شخصيته ومن المهم
هنا أن نتحدث عن علاج هذا الجمود والانغلاق فإذا ما تم كسر بعض معالم دائرة الانغلاق تلك فإنه
بالإمكان للمسلم أن يتجاوز المألوف وبذلك يتمكن من رؤية دائرة أوسع من التي ألِفها
فيتسع أفق المعرفة لديه ويتحرر من تركيبة الشخصية السفيانية التي وضعت إحداثياتها
منذ العصر الأول للإسلام فكان أن بُني عليها
الانحراف عن الحق والحقيقة حتى صار شيئاً طبيعياً ومألوفاً عند المسلمين بل إنك إذا ما طرحت موضوعها بين الناس المنغلقين
صرت أنت الخارج عن المألوف المارق عن طريق الآباء والأجداد.
هذا ما تطرق له سماحة المرجع الديني آية الله العظمى
السيد الصرخي الحسني دام ظله الشريف في المبحث الاصولي بعنوان : مبررات التجديد في المناهج التدريسية الحوزوية
وحقائق من سيرة المرجعية
إن الإنسان الذي صنعه
الله بتدبيره وقدرته، وهيأه لخلافته في الأرض، وأسجد له الملائكة تكريمًا وتشريفا،
وعلمه الأسماء كلها، وجهزه بالسمع والفؤاد والنظر ليشيد حضارة متوازنة تؤسس الإنسانية
وفق منظور متكامل. ولكي يرقى إلى مرتبة الإنسان الكامل ، ينبغي العروج من الإيمان التقليدي
إلى الإيمان التحقيقي: "فإن للإيمان حقائق غزيرة جدًّا؛ إذ ترتبط حقائق كثيرة
لأنوار ألف اسم واسم من الأسماء الحسنى، ولسائر أركان الإيمان بحقائق الكون، حتى اتفق
أهل الحقيقة على أن أجل العلوم قاطبة وقمة المعرفة وذروة الكمال الإنساني، إنما هو
في الإيمان والمعرفة القدسية السامية المنفصلة والمبرهنة النابعة من الإيمان التحقيقي.
نعم إن الإيمان التقليدي معرض لهجمات الشبهات والأوهام، أما الإيمان التحقيقي فهو أوسع
منه وأقوى وأمتن، وله مراتب كثيرة جدا".
فإذا تساءلنا عن الآليات
التي يقترحها الأستاذ المحقق السيد الصرخي الحسني للرقي بالإنسان من الإيمان التقليدي إلى الإيمان التحقيقي،
فإنه يوجهنا إليها ضمن تصور جديد للطاقات والأحاسيس المذخورة في الإنسان، والتي توجد
في داخله ألوف منها، لكنه يدعونا إلى حسن توجيهها حتى تؤدي به إلى الكمال فما في فطرة
الإنسان من رغبة ملحة، ومحبة جياشة، وحرص رهيب، وسؤال شديد، وأحاسيس أخرى وهي أحاسيس
شديدة وعريقة إنما وهبت له ليغنم بها أمورًا أخروية لذا فإن توجيه تلك الأحاسيس وبذلها بشدة نحو أمور
دنيوية إنما يعني إعطاء قيمة الألماس لقطع زجاجية تافهة.
ومن الأمثلة العملية لصرف هذه الأحاسيس وتوجيهها نحو تربية سلوكية تعرج بالإنسان
نحو الكمال كما يريد ان نعمل بها السيد الأستاذ الصرخي الحسني دام ظله وهي عدم السب واللعن مستندا بذلك الى روايات لأهل البيت عليهم السلام في عدم السب واللعن وانما النبي بعث ليتمم مكارم الاخلاق فهو عليه الصلاة والسلام يسير بالإنسان
نحو التكامل والرقي الى مستوى انه ينهانا عن سب الحيوانات بل حتى الجمادات (انما بعثت لأتمم مكارم
الاخلاق ) قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( من لعن شيئا صعدت اللعنة الى السماء فتغلق
ابواب السماء دونها ثم تهبط الى الارض فتغلق ابوابها دونها ثم تأخذ يمينا وشمالا فاذا
لم تجد مساغا رجعت الى الذى لعن فان كان اهلا لذلك والا رجعت الى قائلها، وقال ايضا
. لا تسبوا الديك فانه يوقظ للصلاة ..ويقول ايضا صلى الله عليه وآله وسلم { : لا تسبوا
الريح فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا : اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها
وخير ما أمرت به ، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به . }...وللمزيد
من الارشادات التي اشار بها السيد الصرخي دام ظله الشريف واتحف مسامعنا بها والتي تأخذ بيدنا الى الرقي
والتكامل الانساني والتحلي بالأخلاق الفاضلة من خلال الاستماع الى المحاضرة
السادسة ،فهي درس عقائدي اصولي اخلاقي
حيث أُعتبر مشروع عقائدي اصولي رسالي اخلاقي
شمولي..
تميز السيد
الصرخي الحسني بالطرح الجذاب ، والأسلوب السلس في إلقاء دروسه ومحاضراته ، فالمستمع له لا يستطيع تجاوز عباراته
وكلماته ذات الإلقاء والطابع الملفت للنظر .. لا يمل المستمع من الإنصات له والاستفادة
من أسلوبه الشيق والمتعمق في استنباط الفوائد وصيدها الثمين من خلال عرضه وشرحه للأمور التي طالما
غابت عنا وهو يحفز لمن يحضر دروسه للغوص في أعماق الكتب ودراسة حياة مؤلفيها قبل كل شيء وان تكون رؤيتنا للأمور
المتعلقة بالبحث رؤية عميقة وان لا نترك اي فراغ يجعل من البحث خاوي ليس فيه اي
استناد وقوة ، وينصح بكل ما يحتاجه طالب العلم الذي يخطو خطواته الأولى ..ومن اهم نصائحه التي وجهها لطلبت العلم هي :
"ان الرواية التي تحيط بالراوي يجب ان ندرسها
جيدا لكي نستنتج نتائج مناسبة او اقرب الى الواقع و التعامل مع الموارد التاريخية
،يجب ان لا نقطع الدليل العقلي والحكمة و المنطق
و السيرة الاجتماعية ، لان كل ما يحكى على ضوء الاطروحة وان لا نقطع الدليل العقلي او المنطقي كما يفعل السلفيين والتكفيرين .واذا اردنا ان نكتب او نبحث في التاريخ ونعتمد
فقط على الكتب الشيعية فإننا ايضا لا نخرج
بنتيجة جيدة.
ان الكلام في التاريخ
ليس كالكلام بالأحكام الشرعية ، الاحكام الشرعية يكون فيها الجانب التدقيقي في
الرواية واصول عملية يرجع اليها الفقيه لإظهار
الحكم ....اما الموارد التاريخية فيوجد قطع
تاريخية في حياة الانسان في حياة المجتمع في
تاريخ الشعوب فاذا اردت دراسة التاريخ يجب ان تملي الفراغات لا ان تترك ".
ومن كلامه "معلومة تاريخيه مهمه وهي عندما نتكلم عن مذهب الحق الامامي الاثني عشري
لم يكن له اي دور في التاريخ لانه كان مضطهد ومظلوما ومحارب في التاريخ لان كل الدول
التي تكونت كانت دول ضد المذهب الامامي
وعندما نسمع بالدول الشيعية التي كانت فإنها دول منحرفة عن مذهب الامامي الاثني عشري كل هذا
الكلام حتى نكون امينين ونقيم النقل للحقائق
،فتجد الان التداعيات و العراك والتسابق على الجريمة
والتناطح بين الرذيلة والقبح بين طائفي
هذا المذهب وهذا المذهب وهذا الشيئ ينعكس عند علماء وزعماء المذاهب .”
واكد على الطلبة والشيوخ ممن يتصدى للخطابة
ويفتح مجال الى الدروس والخطابة ان يؤكدوا
في البحوث على اصحاب اهل البيت كيف يعيش الامام مع أصحابه ونؤكد على الصحابة الذين
انحرفوا عن نهج اهل البيت ممن حملوا تأريخ
اهل البيت لكنهم فسدوا في العقيدة .لكي نهيئ الجانب النفسي و نجسد معنى الاخوة الحقيقية
بين اخواننا من الجانب الاخر.
صفاء العبيدي يحثنا السيد الصرخي الحسني دام ظله
في كيفية البحث والتعمق في الشيء الذي نبحث عنه حيث يوجب علينا
ان تكون رؤيتنا الى الاشياء رؤية عميقة وان نفكر تفكيراً عميقا مستنيرا راقيا وان
لا يكون بحثنا سطحيا او رؤيتنا الى
الاشياء سطحية غير متينة لكي لا نغير بالأحداث وان نوضح الحقائق ونصل الى نتائج
صحيحة غير محرفة .
لذلك يجب علينا اولا تعريف وتبيين ما هو التفكير وانواع التفكير
التفكير:
هو العملية العقلية التي يقوم بها الدماغ البشري عندما ينقل
إليه واقع ما بالإحساس ويربطه بما يختزنه من معلومات سابقة يفسره بها، وهذا الربط يؤدي
إلى الإدراك للواقع، وهذا الإدراك يؤدي إلى الحكم على الشيء أو الواقع المحسوس ، وهو
الذي على أساسه يتخذ الإنسان الإجراء اللازم بصدد هذا الشيء أو الواقع المطلوب .والتفكير يكون على ثلاثة انواع :التفكير السطحي والتفكير العميق والتفكير
المستنير الراقي
1_التفكير السطحي
يكون في المواضع التي لا تأخذ عملية التفكير حقها من حيث
استخدام الأركان الأربع (الدماغ الصالح – الواقع المحسوس – الإحساس – المعلومات السابقة
) فمن حيث الواقع لا يتم تقليبه لنقل صورته الحقيقية، ومن حيث الحس لا يتم نقل صورة
الواقع كاملة، أو يقتصر فيها على حاسة دون حاسة أخرى، ومن حيث المعلومات السابقة لا
تستحضر المعلومات المطلوبة الكافية لتفسير الواقع، ومن حيث الربط لا يتم الانتباه إلى
مختلف الخصائص والعلاقات المترتبة عليها بين الواقع والمعلومات.
والذي يتم في أركان عملية التفكير السطحي هو السطحية، والسطحية
تعني عدم التعمق في توفير الأركان، فلا يتم التعمق في الواقع ولا في الحس ولا في المعلومات
السابقة المتعلقة بالواقع ولا في الربط.
2_ التفكير العميق
وهو ضد التفكير السطحي ، ويعني الإحاطة بالواقع، من جميع
أركان عملية التفكير، فتجده ينظر إلى الواقع مرات ومرات، ويقلبه من كافة نواحيه، وينظر
فيه مرة وثانية وثالثة، وينقب بدقة في ذاكرته لاستحضار المعلومات السابقة المتعلقة
بالواقع المراد التفكير فيه، ويقلب النظر في علاقة المعلومات المستحضرة بالواقع، كل
هذا يتم بتكرار مع التركيز .
3_التفكير المستنير
يمتاز التفكير المستنير عن التفكير العميق بأنه يتم ربط الواقع
بوقائع أخرى متعلقة به اي (البحث عن الشيء)، كأن تكون علاقته بما حوله، مثلاً، أو علاقته
بما قبله، أو علاقته بما بعده، أو علاقته بشبيه له، أو غير ذلك، ولا بد فيه من التفكير
العميق، مضافاً إليه ملاحظة علاقة الواقع المراد التفكير فيه بما حوله . فالفكر حتى
يكون راقياً لا بد أن يكون عميقاً يبحث في أصل الأشياء وتكوينها ومصدرها، وان يكون
شاملاً لكل جوانب المسألة المبحوث عنها..
والعمق والشمول في التفكير يدل على أن البحث قد اشتمل على كل ما يمكن ان يقع
عليه الحسّ. فجعل هذا الأساس فكرة أساسية وفهمه بهذا الشكل يوجِد عند الإنسان طريقة
معينة في التفكير، وفي نظرته للأشياء والأحداث. وبهذا يصبح مثل هذا الإنسان إنسانا
راقياً أي انه قد وصل الى النتائج الصحيحة
والصادقة ...وهذا الاخير هو خير تفكير .
والخلاصة هي ان التفكير السطحي هو أخذ الأمور على علاتها دون
التعمق في مضارها ونافعها بعكس التفكير العميق والذي يسعى للمعرفة فيما وراء الأمور
من مضار ونوافع .
اما المستنير فهو كالعالم الذي يأخذ الأمور ويحللها ويستبعد
ويقرب وينظر للأمور نظرة شامله من بعيد ومن قريب فيأتي بحكمة يخلدها التاريخ .
والتفكير السطحي والعميق والمستنير يتفاوت من شخص لآخر حسب
مقدرته الاستيعابية في لحظة وقوع ما يستحق منه التفكير
أما إذا أخذنا كل منهم على حدا فيكون :
التفكير السطحي ـ لشخص لا يحب عمل العقل ، أما التفكير العميق
ـ يكون لشخصية لماحة عاقلة
والمستنير ـ لشخصية تطيل المكوث مع الذات فتدربها على التحليل
والاستنباط .
وهذا رابط محاضرة السيد الصرخي الحسني( دام ظله) الثانية في البحث العقائدي العميق المستنير الراقي